في عام 1907، كتب الكاتب الاشتراكي الكبير جاك لندن رواية بعنوان 'العقب الحديدي'، صوّر فيها إنشاء ديكتاتورية همجية على يد أوليغارشية رأسمالية عازمة على سحق الطبقة العاملة. كتب لندن:
أرادت الأوليغارشية العنف، فدفعت عملاءها المحرضين للعمل... أُطلق النار على أحد عشر ألف رجل وامرأة وطفل في شوارع ساكرامنتو أو قُتلوا في منازلهم. (الفصل 16)
بعد ما قارب من 120 عام، تواجه الطبقة العاملة والشباب في جميع أنحاء الولايات المتحدة شبح ' حذاء الحديدي' متنامي.
تصعّد إدارة ترامب بلا هوادة مساعيها لإقامة ديكتاتورية رئاسية. إنكار ذلك بعد الأسبوعين الماضيين، اللذين اتخذ خلالهما ترامب إجراءات غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، هو عمى، أو خداع للذات، أو تواطؤ صريح. لقد حوّل الرئيس واشنطن العاصمة إلى حامية عسكرية للشرطة و هو يوسع هذا النموذج على مستوى البلاد.
أصدر ترامب يوم الاثنين أمراً تنفيذياً بعنوان 'تدابير إضافية لمعالجة حالة الطوارئ الإجرامية في مقاطعة كولومبيا'، مستكملاً إعلانه الاحتيالي في 11 آب/أغسطس عن 'حالة طوارئ إجرامية'، ومتخذاً خطوات جديدة نحو الديكتاتورية. أجاز هذا الأمر إنشاء بوابة إلكترونية لتجنيد رجال الشرطة السابقين، والجنود السابقين، وأفراد الأمن الداخلي لنشرهم في واشنطن و'مدن أخرى انعدم فيها الأمن العام والنظام'. ببساطة، يُنشئ ترامب قوة شبه عسكرية تعمل خارج الهياكل التقليدية، تحت قيادته الشخصية، مع ترخيص باستخدام القوة المميتة.
كما ألزم الأمر وزير الدفاع 'بإنشاء وحدة متخصصة داخل الحرس الوطني لمقاطعة كولومبيا، والبدء فوراً في تدريبها وتجهيزها وتوظيف أفرادها وتجهيزها'، وضمان 'تزويد الحرس الوطني في كل ولاية بالموارد والتدريب والتنظيم والتواجد' للتعبئة السريعة على مستوى البلاد. عملياً، يُنشئ هذا الأمر قوة عسكرية-شرطية دائمة تحت تصرف الرئيس، جاهزة للتدخل لمواجهة الاحتجاجات والإضرابات والمعارضة السياسية في أي مكان في البلاد.
الأسباب الشكلية التي بُررت بها تلك الإجراءات، وهي أن المدن تعج بالجريمة، و أتت في أعقاب مزاعم 'غزو' المهاجرين الولايات المتحدة هي أكاذيب واضحة. ولا يمكن أن تُعزى هذه الإجراءات ببساطة إلى نرجسية ترامب الأنانية، أو إعجابه القديم بهتلر. ترامب يتصرف نيابة عن أوليغارشية مالية، تخالف أشكال الحكم الدستورية.
ما هي الأسباب السياسية التي تدفع الإدارة والطبقة الحاكمة إلى الشعور بضرورة نشر جنود في المدن الأمريكية لمواجهة 'الاضطرابات المدنية'؟ يجب الإجابة على هذا السؤال، ليس على أساس الشخصيات المعنية، بل على أساس القضايا الطبقية الأساسية التي تُشكل أساس انهيار الديمقراطية الأمريكية.
من الناحية المالية البحتة، تواجه الرأسمالية الأمريكية وضعاً اقتصادياً لا يُطاق. بلغ الدين القومي 37 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز 40 تريليون دولار مع تمديد تخفيضات ترامب الضريبية للشركات والأثرياء. تُعاني الحكومة الفيدرالية بالفعل من عجز سنوي يتراوح بين 1.5 و2 تريليون دولار.
من المتوقع أن تصبح مدفوعات الفائدة على هذا الجبل من الديون أكبر إنفاق فيدرالي منفرد خلال العقد المقبل، متجاوزةً حتى الميزانية العسكرية الهائلة. عكس هذا النمو المستمر في خدمة الدين ليس فقط عقودا من التخفيضات الضريبية للأثرياء، ولكن أيضاً الموارد الهائلة التي حولت إلى عمليات الإنقاذ والحرب الإمبريالية.
تمثل البرامج الإلزامية ما يقرب من ثلثي الميزانية: الضمان الاجتماعي حوالي 20%، والرعاية الطبية 15% أخرى، والرعاية الطبية والبرامج ذات الصلة 14% أخرى. مثل الإنفاق 'التقديري'، أي جميع الإنفاق خارج هذه البرامج،- أقل من الثلث، إذ ابتلع الإنفاق العسكري وحده 13%، وجميع البرامج الأخرى مجتمعة 14% فقط.
فيما يتعلق بالطبقة الحاكمة، فإن الإنفاق العسكري لا يمكن ولن يُخفض الإنفاق العسكري، بل سيرتفع مع تصعيد واشنطن لمواجهاتها العالمية في جميع أنحاء العالم. ولن تقبل الطبقة الأرستقراطية المالية أي تدخل في ثرواتها، إذ منح مشروع قانون ترامب 'الضخم والجميل' تريليونات إضافية للشركات والأثرياء. ولن يحل إلغاء جميع الإنفاق التقديري غير الدفاعي، الذي تطبقه إدارة ترامب بنشاط، عجز الموازنة.
ما تبقى، إذن، هو هجوم واسع النطاق على البرامج الاجتماعية المركزية، مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، التي توفر الدخل الأساسي والرعاية الصحية والكرامة لمئات الملايين من الناس. وفي حين تعهد ترامب مراراً بعدم المساس بالضمان الاجتماعي، فإن هذا الادعاء أقل مصداقية من أكاذيبه الأخرى. فقد تفاخر وزير الخزانة سكوت بيسنت، وهو ملياردير من وول ستريت، الشهر الماضي بأن أحكام مشروع قانون ميزانية ترامب ستوفر 'باباً خلفياً لخصخصة الضمان الاجتماعي'.
سيكون تأثير هذه التخفيضات على عامة السكان مدمراً. فالضمان الاجتماعي هو المصدر الرئيسي لدخل عشرات الملايين من المتقاعدين وذوي الإعاقة؛ ومن شأن تخفيض بنسبة 25-30% أن يحرم المتقاعد العادي من 6000-7000 دولار سنوياً، وأن يدفع الملايين إلى براثن الفقر. كما أن تخفيضات الرعاية الطبية والرعاية الصحية ستؤدي إلى ارتفاع هائل في الفواتير الطبية المباشرة لكبار السن وذوي الإعاقة، وإغلاق دور رعاية المسنين وبرامج الرعاية المنزلية التي يعتمد عليها الملايين. تُدمر بالفعل برامج Medicaid ودعم الدخل، مثل برنامج SNAP وSSI، والائتمانات الضريبية للأطفال، التي تُعيل أسر الطبقة العاملة وأطفالها.
يُمثل برنامج ترامب طبقةً حاكمةً عازمةً على قلب مجرى التاريخ الأمريكي الحديث رأساً على عقب، مُدمرًا كل تقدم اجتماعي تحقق بالنضال منذ الحرب الأهلية. وليس من قبيل الصدفة أن يُحاول ترامب إحياء تمجيد أبطال الكونفدرالية.
يُطرد عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين. ويواجه قطاعا التعليم العام والصحة العامة تخفيضات غير مسبوقة. وسيُفكك ما تبقى من إصلاحات الصفقة الجديدة والمجتمع العظيم. الهدف ليس أقل من تصفية جميع التنازلات المحدودة التي انتُزعت من الطبقة الرأسمالية في القرن العشرين.
تستعد الحكومة مسبقاً لانفجار حتميّ لمعارضة جماهيرية لهذه الهجمات. فالطبقة الحاكمة مقتنعة بأن تدمير الوظائف والمعاشات التقاعدية والرعاية الصحية ومستويات المعيشة الأساسية سيُثير انتفاضات، لا سيما في المدن. انشغلت الدولة على مدى سنوات، بخطر الاضطرابات الحضرية، وصُممت أوامر ترامب التنفيذية لضمان مواجهة هذه المقاومة بالقوة العسكرية والقمع.
تُفسر هذه الديناميكية الطبقية الأساسية أيضاً دور الحزب الديمقراطي. ففي حين قد تكون هناك خلافات حول أساليب ترامب، فإن كلا الحزبين من كبار رجال الأعمال يُقرّان بضرورة فرض تغييرات جذرية في السياسة الاجتماعية على حساب الطبقة العاملة. هذه الاختلافات تكتيكية. لا يوجد خلاف حول السؤال المركزي، من سيدفع ثمن الأزمة المتفاقمة التي تعيشها الرأسمالية الأميركية.
تعاملت التغطية الصحفية مع الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب باعتبارها مجرد واحدة من أحدث غرائبه. وركز الزعماء الديمقراطيون انتقاداتهم على الإجراءات، وكأن تدمير الحكومة الدستورية هو مسألة تتعلق بشخصية ترامب. ما أعلن أي ديمقراطي بارز صراحةً بأن الرئيس يُرسي ديكتاتورية، أو شرح القوى الطبقية التي تحرك أفعاله. ففي الواقع، يخشى الديمقراطيون قبل كل شيء أن تُثير إجراءات ترامب الوقحة حركةً لا يمكن السيطرة عليها من القاعدة.
يؤكد هذا الواقع الدور الحاسم للطبقة العاملة في الأزمة السياسية المتفاقمة. العمال الذين يتصورون أن هجمات ترامب العنيفة على المهاجرين أو حملته الاحتيالية ضد 'الجريمة' لا علاقة لها بهم مخطئون خطأً فادحاً. سيمتد فرض الحكم الاستبدادي إلى كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية.
الطبقة العاملة، وظائفها، ومستويات معيشتها، ومزاياها الاجتماعية، وحقوقها الديمقراطية، هي الهدف الرئيسي لحملة الطبقة الحاكمة نحو التقشف، والحرب الإمبريالية، والديكتاتورية. ستُحظر الإضرابات، وسيُجرم أي شكل من أشكال مقاومة إملاءات الأوليغارشية.
إن المهمة الأكثر إلحاحاً التي تواجه العمال والشباب وجميع شرائح المجتمع التقدمية هي مواجهة الواقع السياسي، ووضع استراتيجية للدفاع عن الحقوق الديمقراطية. وكما كتب موقع 'الاشتراكية العالمية' في 20 آب/ أغسطس:
في غياب المعارضة من داخل البنية السياسية القائمة، يجب أن ينتقل مركز مقاومة ترامب إلى الطبقة العاملة. والأسئلة السياسية الأساسية التي يجب الإجابة عليها هي: ما الذي يجب أن تفعله الطبقة العاملة، بدعم من الطلاب وجميع القوى التقدمية في المجتمع، لوقف إقامة ديكتاتورية في الولايات المتحدة؟ ما هي الأشكال الجديدة للعمل الجماهيري المنظم، بما في ذلك الإضراب العام، اللازمة للدفاع عن الحقوق الديمقراطية للطبقة العاملة؟ ما هي التغييرات في البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد اللازمة لكسر شوكة الطغمة المالية- المتحالفة مع الشركات؟
في مواجهته لتمرد مؤسسة الرق عام 1861، توصل لينكولن إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن المحافظة على المبادئ الديمقراطية التي أعلنها إعلان الاستقلال ليها إلا من خلال ثورة دمرت القاعدة الاقتصادية للكونفدرالية، أي نظام الرق. بعد 160 عام بالضبط من انتهاء الحرب الأهلية، فرض خطر ديكتاتورية عسكرية-بوليسية فاشية ضرورة القضاء على القاعدة الاقتصادية للسلطة الأوليغارشية والرأسمالية، واستبدالها بسلطة العمال والاشتراكية.
يحث حزب المساواة الاشتراكية كل من يتفق مع هذا التحليل على الانضمام إلى الحزب وخوض غمار النضال ضد الديكتاتورية ومن أجل الاشتراكية.