عقد حزب المساواة الاشتراكية - الأممية الرابعة، المتضامن سياسياً مع اللجنة الدولية للأممية الرابعة، مؤتمره التأسيسي في الفترة من 13 إلى 15 حزيران/يونيو 2025. واكتملت إجراءات التأسيس الرسمي للحزب في آب/أغسطس.
فتتح المؤتمر بتقرير افتتاحي قدمه أولاش سيفينتش (أتيشجي)، الذي انتُخب رئيساً وطنياً. كما اعتمد المؤتمر بالإجماع ثلاثة قرارات: 'بيان المبادئ' (البرنامج الرسمي)، و'الأسس التاريخية والدولية لحزب العمل الاشتراكي - دوردونجو إنترناسيونال'، و'الدستور'. وتلقّى المؤتمر التأسيسي العديد من التهاني من فروع اللجنة الدولية للأممية الرابعة وجماعات المتعاطفين معها في جميع أنحاء العالم. وستُنشر القرارات والتهاني على موقع الاشتراكية العالمية في الأيام القادمة.
اجتمعنا اليوم هنا لحضور حدث تاريخي: المؤتمر التأسيسي لحزب المساواة الاشتراكية - حزب دوردونجو إنترناسيونال. لأول مرة في تركيا، يُقام حزب تابع للأممية الرابعة، التي أسسها ليون تروتسكي عام 1938، قائد ثورة أكتوبر 1917 إلى جانب فلاديمير لينين، وتقودها اللجنة الدولية منذ عام 1953. نعقد هذا المؤتمر التأسيسي في ظلّ أزمات النظام الرأسمالي العالمي الأشدّ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل 80 عاماً: إذ يشتد الصراع الطبقي في ظلّ تفاوت اجتماعي غير مسبوق وهجوم رأسمالي متصاعد، في حين أصبحت الحرب والإبادة الجماعية والفاشية أمراً عادياً.
بل ثلاث سنوات تقريبًا، في 15 حزيران/يونيو 2022، تقدمت مجموعة المساواة الاشتراكية (SEG) في تركيا بطلب الاعتراف بها فرعاً للجنة الدولية للأممية الرابعة، وصوّتت على تأسيس حزب المساواة الاشتراكية. وفي قرارنا المُعتمد آنذاك، ذكرنا أنه 'نظراً لنضج الوضع الموضوعي في العالم، وتوافق مجموعة المساواة الاشتراكية (SEG) مع اللجنة الدولية للأممية الرابعة على البرنامج والمبادئ والقضايا التاريخية، ما عاد من الممكن تأجيل تأسيس حزب المساواة الاشتراكية (تركيا) كتعبير عن التوسع الدولي للجنة الدولية للأممية الرابعة'.[1]
شهدنا في الأيام الأخيرة تفاقماً هائلاً لأزمة النظام الرأسمالي العالمي. وبينما نجتمع هنا، شنّت دولة إسرائيل الصهيونية، بدعم من الإمبريالية، هجوماً جوياً شاملا على إيران، جارة تركيا. وقد يتصاعد هذا الهجوم بسرعة إلى حرب إقليمية، تشمل تركيا. ولا شك أن هذه الهجمات قد زادت من تطرف جماهير واسعة من العمال والشباب في الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي. ويتعرض الشعب الفلسطيني في غزة للتجويع والتطهير العرقي والإبادة الجماعية على يد النظام الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، في حين أثار العدوان الأمريكي والإسرائيلي السافر في جميع أنحاء المنطقة غضباً ومعارضة عارمين. والسؤال هو: كيف ندفع هذا الغضب وهذه المعارضة إلى مسار ثوري؟
في هذه الأثناء، شمال تركيا، أدى قصف أوكرانيا الأخير لمطارات داخل روسيا، بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى تصعيد خطر نشوب صراع نووي إلى مستويات غير مسبوقة. في الوقت نفسه، دعتالولايات المتحدة حلفاءها الآسيويين إلى الاستعداد للحرب مع الصين، التي تعتبرها منافسها الرئيسي.
في الولايات المتحدة، بلد الثورتين الديمقراطيتين العظيمتين، يقود الرئيس الفاشي دونالد ترامب انقلاباً يهدف إلى إلغاء الدستور وإقامة ديكتاتورية رئاسية. وقد أثار هجوم إدارة ترامب على المهاجرين، الذي يستهدف في نهاية المطاف الطبقة العاملة بأكملها، احتجاجات جماهيرية. وستُقام مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة غداً. ويُحلل رفاقنا في الولايات المتحدة، حزب المساواة الاشتراكية، الانقلاب الجاري ويتدخلون في الأحداث بمنظور وبرنامج ثوري.
ليست تركيا بمنأى عن هذه الديكتاتورية المتنامية، والحرب الإمبريالية، ودوامة الصراع الطبقي التي تجتاح العالم. فالبرجوازية التركية تقود ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي متورطة بشدة في الحرب في أوكرانيا شمالاً، وفي الصراع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الإبادة الجماعية في غزة جنوباً. إنها تحكم أحد أكثر المجتمعات الأوروبية تفاوتاً في الدخل والثروة. وكما أوضح ليون تروتسكي عام 1929: 'تحت وطأة التناقضات الطبقية والدولية الشديدة، فإن مفاتيح الأمان للديمقراطية إما أن تحترق أو تنفجر. وهذا هو جوهر ما تمثله الديكتاتورية'.[2]
إن أوجه التشابه بين الأزمة السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة، القوة الإمبريالية الرائدة في العالم، وتركيا، القوة الرأسمالية الإقليمية في الشرق الأوسط، تشهد على الطابع العالمي لأزمة النظام الرأسمالي. هذه ليست أزمة 'مؤقتة'. في ظل هذه الظروف، تُعتبر جميع ادعاءات التقدم نحو 'السلام والديمقراطية' أكاذيب متعمدة تهدف إلى تضليل الجماهير. في بياننا بشأن الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في آذار/ مارس عقب اعتقال واحتجاز رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أشرنا إلى الطابع العالمي للأزمة والطريق الثوري للمضي قدماً: 'إن الأزمة الثورية التي اندلعت في تركيا تُنذر بمستقبل الدول الأخرى. إن الأسباب الموضوعية التي حشدت الجماهير العريضة، وهي الدفاع عن الحقوق الديمقراطية، والغضب من التفاوت الاجتماعي المُذهل، ومعارضة الحرب الإمبريالية التي لا تنتهي، لها طابع عالمي. إن المسألة المُلحة التي تواجه الطبقة العاملة في تركيا وعلى الصعيد الدولي هي تطوير منظور سياسي وقيادة ثورية'.[3] ويُعدّ المؤتمر التأسيسي لفرع اللجنة الدولية للأممية الرابعة في تركيا مساهمة في تطوير هذه القيادة.
في افتتاح المؤتمر، أعلنا أننا نهدي مؤتمرنا التأسيسي إلى الرفيق خليل تشيليك، قائد ومؤسس مجموعتنا، الذي توفي في 31 كانون الأول/ديسمبر 2018، ثم وقفنا دقيقة صمت حداداً على أرواح جميع الرفاق الذين ساهموا في النضال من أجل الماركسية-التروتسكية والثورة الاشتراكية العالمية عبر تاريخنا.
أود الآن أن أرسل تحياتنا إلى الرفيق بوغدان سيروتيوك، المحتجز كسجين سياسي لدى النظام الأوكراني المدعوم من حلف شمال الأطلسي منذ أبريل 2024. بوغدان، زعيم الحرس الشاب للبلاشفة اللينينيين (YGBL)، مسجون بسبب اتخاذه موقفاً اشتراكياً مبدئياً ومناهضاً للحرب ضد كل من القوى الإمبريالية والأنظمة الرأسمالية الرجعية في أوكرانيا وروسيا. إن الموقف الشجاع الذي اتخذه الرفيق بوغدان في السجن، hرتكز على المبادئ التروتسكية، وألهمنا، ونحن على يقين من أن هذا المؤتمر الحاسم سوف يعزز موقفه أيضاً.
في العام الماضي، وفي المؤتمرات الوطنية لفروع اللجنة الدولية للأممية الرابعة التي عُقدت عقب اعتقال الرفيق بوغدان، اعتُمد نداء بعنوان 'أطلقوا سراح بوغدان سيروتيوك!'. نؤكد مجدداً دعمنا لذلك النداء وللحملة العالمية التي تقودها اللجنة الدولية للأممية الرابعة من أجل حرية بوغدان. ونتعهد بمواصلة العمل بكل قوتنا لدفع النضال من أجل إطلاق سراحه.
وفي هذه المناسبة، أود أن أؤكد مجدداً على النداء الذي وجهه الرفيق ديفيد نورث، الرئيس الوطني لحزب المساواة الاشتراكية (الولايات المتحدة) ورئيس هيئة التحرير الدولية لموقع الاشتراكية العالمية، في كلمته بمناسبة عيد العمال: نبعث بتحياتنا إلى جميع السجناء السياسيين في تركيا وحول العالم الذين يتعرضون لقمع الدولة الرأسمالية والمحرومين من حقوقهم الديمقراطية، ونطالب بالإفراج الفوري عنهم.
و نبعث أحر تحياتنا للفلسطينيين في فلسطين، ولا سيما في غزة، الذين يتعرضون للتطهير العرقي والإبادة الجماعية من قبل دولة إسرائيل الصهيونية المدعومة من حلف شمال الأطلسي، ونتعهد بالمضي قدماً في النضال من أجل تعبئة الطبقة العاملة على أساس برنامج اشتراكي لإنهاء هذا القمع التاريخي.
بصفتنا المؤتمر التأسيسي لحزب المساواة الاشتراكية ، فإننا نعلن منذ البداية: إن اللجنة الدولية للأممية الرابعة، على حد تعبير تروتسكي في عام 1938، هي الاتجاه السياسي الوحيد في العالم القادر على تحقيق هدف 'التحرر المادي والروحي الكامل للكادحين والمستغلين من خلال الثورة الاشتراكية. لن يعدها أحد ولن يوجهها أحد سوى أنفسنا'.[4] مع هذا المؤتمر، أسسنا الفرع التركي لحزب الثورة الاشتراكية العالمي، الذي تولى هذه المهمة والمسؤولية التاريخية. وسيكون هذا المؤتمر حدثاً سيتم دراسته وتذكره على نطاق واسع في تاريخ تركيا والمنطقة الأوسع التي تقع فيها.
أكدنا في القرار المشار إليه أعلاه، الصادر قبل ثلاث سنوات، على ما يلي:
لا يمكن بناء حزب ثوري في أي بلد إلا على أساس منظور وبرنامج وحزب أمميين. الحل الوحيد للمشاكل الكبرى في تركيا، التي تمر بوضع حرج على الصعيد الجيوسياسي العالمي والصراع الطبقي، هو الثورة الاشتراكية الدولية. إن تأسيس حزب المساواة الاشتراكية (تركيا) سيكون تعبيراً عن التوسع العالمي للجنة الدولية للأممية الرابعة، التيار السياسي الوحيد الذي يتولى مهمة حل المشاكل التاريخية الكبرى.[5]
وذكرنا في القرار نفسه، أن تأسيس مجموعة المساواة الاشتراكية ارتكز على اتفاقنا مع اللجنة الدولية للأممية الرابعة حول مسائل التاريخ والمبادئ والبرنامج، وأكدنا على اعترافنا بالسلطة السياسية للجنة الدولية للأممية الرابعة. ما كان هذا بدون مبرر بل استند إلى الدروس الحاسمة لعقود من النضال الذي خاضته حركتنا الدولية من أجل التروتسكية والثورة الاشتراكية العالمية، وضد جميع أشكال الانتهازية القومية. في جذر الانحطاط السياسي لحزب العمال الثوري (WRP)، الذي كان آنذاك الفرع البريطاني للجنة الدولية للأممية الرابعة، كان هناك تراجع تدريجي عن النضال من أجل التروتسكية ونظرية الثورة الدائمة، وإعطاء الأولوية لبناء حزب وطني على الحزب العالمي. بلغ هذا الانحطاط القومي الانتهازي ذروته في عام 1985 عندما رفض قادة حزب العمال الثوري جيري هيلي وكليف سلوتر ومايك باندا السلطة السياسية للجنة الدولية للأممية الرابعة.
دافع ديفيد نورث، زعيم رابطة العمال آنذاك، سلف حزب المساواة الاشتراكية في الولايات المتحدة، عن مبادئ وبرنامج تروتسكي بين عامي 1982 و1984، مقدماً نقداً مفصلاً للتحول القومي المتزايد لحزب العمال الثوري نحو اليمين. قمع حزب العمال الثوري انتقادات نورث وتجاهلها، رافضاً السماح بتوزيع تلك ىالنصوص ومناقشتها في جميع فروع اللجنة الدولية للأممية الرابعة. عندما اندلعت الأزمة داخل حزب العمال الثوري عام 1985، شكّلت وثائق نورث أساس النضال السياسي للتروتسكيين الأرثوذكس في اللجنة الدولية ضد النزعة الانتهازية القومية داخله. قدم التروتسكيون البريطانيون بقيادة جيري هيلي مساهمة هائلة في ضمان استمرارية اللجنة الدولية للأممية الرابعة من خلال قيادة النضال ضد التحرك نحو إعادة توحيد حزب العمال الاشتراكي (SWP) في الولايات المتحدة مع البابلويين بين عامي 1961 و1964. وقد دافع التروتسكيون الأرثوذكس في اللجنة الدولية عن هذه المساهمات خلال الانقسام الذي حدث في عامي 1985 و1986، كما تم توثيق تخلي حزب العمال الثوري عن المبادئ التي أيدها في العقود السابقة بدقة.
. اليوم، نؤكد مجدداً أن ذلك النضال الحاسم داخل اللجنة الدولية للأممية الرابعة لعب دوراً حاسماً في ضمان استمرارية التروتسكية كحركة سياسية دولية موحدة. ففي قرار عام 2022، أكدنا على أن اللجنة الدولية للأممية الرابعة تُمثل وحدها الاستمرارية السياسية للحركة الماركسية التروتسكية العالمية، قائلين:
تعود هذه الاستمرارية إلى تأسيس المعارضة اليسارية بقيادة ليون تروتسكي عام 1923 للدفاع عن استراتيجية وبرنامج الثورة الاشتراكية العالمية ضد الانحطاط القومي الستاليني. وقد كانت هذه الاستراتيجية والبرنامج هما اللذان قادا ثورة أكتوبر عام 1917 بزعامة الحزب البلشفي في روسيا بقيادة فلاديمير لينين وليون تروتسكي.
تم تأسيس الأممية الرابعة عام 1938 بقيادة تروتسكي بعد انهيار الأممية الشيوعية مما مهد الطريق أمام النازيين للوصول إلى السلطة في ألمانيا عام 1933؛ تأسيس اللجنة الدولية عام 1953 من قبل التروتسكيين الأرثوذكس بقيادة جيمس ب. كانون من حزب العمال الاشتراكي (SWP) في الولايات المتحدة ضد الاتجاه التنقيحي التصفوي بقيادة ميشيل بابلو وإرنست ماندل. شكل النضال السياسي من قبل التروتسكيين البريطانيين بقيادة جيري هيلي ضد إعادة التوحيد غير المبدئي مع البابلويين عام 1963؛ ونضال التروتسكيين الأمريكيين بقيادة ديفيد نورث في 1982-1986 ضد الانحطاط الوطني الانتهازي لحزب العمال الثوري (WRP) في بريطانيا واستعادة السيطرة على اللجنة الدولية من قبل التروتسكيين الأرثوذكس، نقاط تحول حاسمة في هذا الاستمرارية السياسية.[6]
تأسيس الأممية الرابعة عام 1938 بقيادة تروتسكي بعد انهيار الأممية الشيوعية مما مهد الطريق أمام النازيين للوصول إلى السلطة في ألمانيا عام 1933؛ تأسيس اللجنة الدولية عام 1953 من قبل التروتسكيين الأرثوذكس بقيادة جيمس ب. كانون من حزب العمال الاشتراكي (SWP) في الولايات المتحدة ضد الاتجاه التنقيحي التصفوي بقيادة ميشيل بابلو وإرنست ماندل؛ النضال السياسي من قبل التروتسكيين البريطانيين بقيادة جيري هيلي ضد إعادة التوحيد غير المبدئي مع البابلويين عام 1963. شكل نضال التروتسكيين الأمريكيين بقيادة ديفيد نورث في 1982-1986 ضد الانحطاط الوطني الانتهازي لحزب العمال الثوري (WRP) في بريطانيا واستعادة السيطرة على اللجنة الدولية من قبل التروتسكيين الأرثوذكس، نقاط تحول حاسمة في هذا الاستمرارية السياسية.[6]
كان لا بد أن يقوم هذا النضال على استيعاب شامل لنضال الحركة التروتسكية الذي استمر عقوداً ضد الاشتراكية الديمقراطية والستالينية وسياسات البرجوازية الصغيرة. وقد قرّب هذا النضال الرفيق خليل وزملاءه من مواقف اللجنة الدولية للأممية الرابعة. عارض خليل إسناد البابلويين دوراً ثورياً للستالينية، ودعمهم للبيروقراطية النقابية، وتمجيدهم للقومية البرجوازية في شكل الحركة القومية الكردية. وقد أدى إدراكه أن هذه المواقف رفضت رفضاً قاطعاً استمرارية نضال الأممية الرابعة من أجل الثورة الدائمة إلى انضمامه في النهاية إلى اللجنة الدولية للأممية الرابعة.[7]
نؤكد أن الأممية الرابعة هي 'حزب التاريخ'. يجب أن تتسلح الطبقة العاملة بالوعي التاريخي، ولا سيما بالدروس السياسية للتجارب الاستراتيجية للقرن العشرين، للاستيلاء على السلطة عبر الثورات الاشتراكية، وإسقاط النظام الرأسمالي العالمي، وإقامة الاشتراكية. الأممية الرابعة هي الحزب العالمي الذي يجسد هذا التاريخ وهذه الدروس. ويوثق القرار المعنون 'الأسس التاريخية والدولية لمجموعة المساواة الاشتراكية - حزب المساواة الاشتراكية'، المقدم للموافقة في هذا المؤتمر التأسيسي، هذه الحقيقة.
نحن بدورنا 'حزب التاريخ' بمعنى أننا نركز على حل القضايا الأساسية لعصر الحرب الإمبريالية والثورة البروليتارية العالمية التي بدأت مع الحرب العالمية الأولى عام 1924 وثورة أكتوبر عام 1917. لا تزال التناقضات الأساسية للرأسمالية العالمية التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى، أي التناقضات بين الاقتصاد العالمي ونظام الدولة القومية، وبين اشتراكية الإنتاج والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، قائمة. أتاحت الثورة الاشتراكية العالمية التي بدأت مع ثورة أكتوبر، بقيادة لينين وتروتسكي، للطبقة العاملة أن تنطلق لحل هذه التناقضات على أساس ثوري دولي. هذا هو السبيل الوحيد للتقدم نحو الحضارة الإنسانية.
شكلت نظرية الثورة الدائمة واستراتيجية الثورة الاشتراكية العالمية الأساس والمبدأ التوجيهي لثورة أكتوبر. وتمثل التعبير السياسي والتنظيمي الدولي لها في الأممية الشيوعية (الثالثة) (الكومنترن)، التي تأسست عام 1919 بقيادة لينين وتروتسكي. انهارت الأممية الثانية عام 1914 عندما خانت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في أوروبا البرنامج الاشتراكي الدولي والطبقة العاملة بدعمها لبرجوازياتها الوطنية في الحرب الإمبريالية. أجرى لينين تحليلاً شاملاً للانهيار السياسي للأممية الثانية في منعطف تاريخي حاسم، كاشفاً عن جذورها الموضوعية في تطور الإمبريالية والانتهازية كنتيجة ثانوية لها. وفي مقاله عام 1916 بعنوان 'الانتهازية وانهيار الأممية الثانية'، كتب:
ما هو الجوهر الاقتصادي لـ'الدفاع عن الوطن' في حرب 1914-1915؟ خاضت برجوازية جميع القوى العظمى حرباً من أجل تقسيم العالم واستغلاله، ومن أجل إخضاع الأمم. قد تحصل حلقة صغيرة من بيروقراطية العمال، وأرستقراطية العمال، وأتباع البرجوازية الصغيرة على حصة من أرباح البرجوازية الهائلة. الأساس الطبقي للشوفينية الاجتماعية والانتهازية هو نفسه: تحالف شريحة صغيرة من العمال ذوي الامتيازات مع برجوازيتهم الوطنية 'الخاصة' ضد جماهير الطبقة العاملة، وتحالف أتباع البرجوازية معها ضد الطبقة التي تستغلها.
الشوفينية الاجتماعية والانتهازية متماثلان في جوهرهما السياسي؛ التعاون الطبقي، ورفض الديكتاتورية البروليتارية، ورفض العمل الثوري، والخضوع للشرعية البرجوازية، وعدم الثقة في البروليتاريا، والثقة في البرجوازية.[8]
ليوم، أيُّ تيار سياسي، خارج اللجنة الدولية للأممية الرابعة وفروعها، يستطيع أن يدّعي أنه ليس الوريث السياسي للانتهازية والشوفينية الاجتماعية؟ 'التعاون الطبقي، رفض ديكتاتورية البروليتاريا، رفض العمل الثوري، الخضوع للشرعية البرجوازية، عدم الثقة بالبروليتاريا، والثقة بالبرجوازية...' jg; هي السمات المميزة للاتجاهات السياسية الستالينية والبابلوية واليسارية الزائفة اليوم.
كانت ثورة أكتوبر عام 1917 نتاج نضال سياسي مبدئي قائم على رفض الانتهازية القومية، عدو الطبقة العاملة. نعلم أنه عندما اندلعت ثورة شباط /فبراير في روسيا عام 1917، مارست هذه الضغوط الطبقية القومية البرجوازية الصغيرة تأثيراً قوياً على قيادة الحزب البلشفي. في غياب لينين، مال الحزب، بقيادة ستالين وكامينيف، مثل المناشفة، إلى دعم الحكومة المؤقتة البرجوازية واستمرار مشاركة روسيا في الحرب الإمبريالية. لو استمرت هذه القيادة وتوجهها القومي المتعاون مع الطبقة العاملة، لما أمكن قيام ثورة أكتوبر
شكّلت عودة لينين إلى روسيا في أبريل/نيسان 1917، وإعادة توجيهه للحزب البلشفي على أساس استراتيجية الثورة الاشتراكية العالمية، نقطة التحول الحاسمة التي أدت إلى ثورة أكتوبر. استند التعاون السياسي والفكري الفريد بين لينين وتروتسكي إلى برنامج مشترك للثورة الاشتراكية العالمية. انطلقت الأممية الشيوعية بإعلان حرب سياسية على الانتهازية، ووضعت النضال ضد وجودها أو ظهورها داخل أجنحتها في صميم أجندتها. إلا أنه بعد ثورة أكتوبر، هُزمت الانتفاضات الثورية للطبقة العاملة في أوروبا بسبب خيانة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وغياب الأحزاب الشيوعية المستعدة سياسيا لقيادة الثورة.
عانت الجمهورية السوفيتية الفتية معاناةً شديدة من الحرب الأهلية، التي كانت نتاج هجوم ثوري مضاد عنيف شنته القوى الإمبريالية والجيوش البيضاء. في ظل هذه الظروف، كان التعبير السياسي عن مصالح الطبقة البيروقراطية المتنامية في الاتحاد السوفيتي هو برنامج ستالين 'الاشتراكية في بلد واحد'، الذي أُعلن عنه عام 1924. مثّل هذا البرنامج قطيعة جذرية مع نظرية الثورة الدائمة والأممية البروليتارية، اللتين شكلتا الأساس النظري والسياسي لثورة أكتوبر عام 1917. وقد دُعمت هذه المبادئ الأساسية وطُوّرت مع تشكيل المعارضة اليسارية بقيادة تروتسكي عام 1923.
ليس هناك أدنى مبالغة في القول إن ذلك كان 'النضال السياسي الأكثر أهمية في القرن العشرين'. وكما أشار ديفيد نورث في محاضرته بجامعة ميشيغان في آن أربور بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، 'لو كانت نتيجة ذلك النضال مختلفة، ولو أنه انتهى بانتصار الفصيل التروتسكي وهزيمة الستالينية، لكان القرن العشرون هو القرن الذي ضمن انتصار الثورة الاشتراكية العالمية'.[9]
إن السمات التي حددها لينين على أنها الجوهر السياسي للانتهازية التي هيمنت على الأممية الثانية وفصلتها عن النضال من أجل الاشتراكية، هيمنت بشكل متزايد على الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي والكومنترن، مع عواقب وخيمة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. تلا ذلك التعاون الطبقي الذي أدى إلى هزيمة الثورة الصينية 1925-1927، والأهم من ذلك، سياسة كارثية مهدت الطريق أمام النازيين للوصول إلى السلطة في ألمانيا عام 1933. رفض الستالينيون دعوة تروتسكي لتشكيل جبهة موحدة من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين والشيوعيين ضد التهديد الفاشي. وأعلنوا الحزب الاشتراكي الديمقراطي 'فاشيا ًااشتراكياً'، مما أدى إلى تقسيم الطبقة العاملة ومهد الطريق لصعود هتلر إلى السلطة.
كان الحدث التاريخي العظيم الذي دفع تروتسكي، الذي كان منفياً في إسطنبول، بويوكادا (برينكيبو)، منذ عام 1929، إلى الدعوة إلى تأسيس الأممية الرابعة هو هذه الكارثة التي حلت بألمانيا. قبيل مغادرته بويوكادا، في 15 تموز/ يوليو 1933، كتب تروتسكي في دعوته إلى بناء الأممية الرابعة:
إن منظمةً لم تُحركها عواصف الفاشية، بل خضعت بخضوعٍ لمثل هذه الأعمال البيروقراطية الفظيعة ،أثبتت بذلك أنها ميتة، وأن لا شيء يستطيع إحيائها. إن قول هذا صراحةً وعلناً هو واجبنا المباشر تجاه البروليتاريا ومستقبلها. وفي جميع أعمالنا اللاحقة، من الضروري أن نتخذ من الانهيار التاريخي للأممية الشيوعية الرسمية نقطة انطلاق لنا.[10]
لعب تروتسكي دوراً رئيسياً في ضمان الاستمرارية التاريخية والسياسية للحركة الماركسية العالمية من خلال قيادته جهود بناء الأممية الرابعة على مدى السنوات الخمس التالية. تضمنت هذه الجهود نضالاً سياسياً بلا هوادة ضد الستالينية والوسطية والقومية البرجوازية وجميع أشكال الانتهازية. وكما قال تروتسكي نفسه، كانت تلك 'أهم مهمة في حياته'، و ما كان بإمكان أي شخص آخر القيام بها. ففي عام 1935، أشار إلى:
طرح انهيار الأمميتين مشكلة ما امتلك أي من قادة هاتين الأمميتين القدرة على حلها على الإطلاق. لقد واجهتني تقلبات مصيري الشخصي بهذه المشكلة وزودتني بخبرة مهمة في التعامل معها. لا يوجد الآن أحد غيري لتنفيذ مهمة تسليح جيل جديد بالمنهج الثوري متجاوزاً قادة الأمميتين الثانية والثالثة.[11]
أوضح في تصريحاته حول تأسيس الأممية الرابعة عام 1938، أن الأمميتين القديمة الثانية والثالثة، وأمستردام، وسنضيف إليها أيضاُ مكتب لندن فاسدة تماماً. إن الأحداث العظيمة التي تتسارع على البشرية لن تُبقي من هذه المنظمات القديمة حجراً على حجر. وحدها الأممية الرابعة تنظر بثقة إلى المستقبل. إنها حزب الثورة الاشتراكية العالمية! ما كان هناك مهمة أعظم من هذه على وجه الأرض. تقع على عاتق كل فرد منا مسؤولية تاريخية جسيمة.[12]
على مدى 87 عاماً لاحقة، ثبتت صحة هذه الكلمات. بعد أن خانت البيروقراطية الستالينية ثورات لا تُحصى حول العالم، أكملت خدمتها الأخيرة للإمبريالية بحل الاتحاد السوفيتي عام 1991. وإلى جانب عودة الرأسمالية إلى أوروبا الشرقية، سلم الماويون الطبقة العاملة الصينية إلى استغلال رأسمالي مكثف. وقد أكدت هذه الأحداث تحليل تروتسكي واللجنة الدولية للأممية الرابعة للطابع المضاد للثورة للستالينية وبرنامج الثورة السياسية للطبقة العاملة.
و لاقى التيار البابلوي التحريفي الانتهازي، الذي برز داخل الأممية الرابعة بعد الحرب العالمية الثانية، مصير أسلافه السياسيين، وتدهور من أعلى إلى أسفل. كان هذا التيار تعبيراً سياسياً عن التكيف مع الظروف التي خانت فيها الستالينية الثورات الأوروبية وتوسعت نحو أوروبا الشرقية، في حين حققت الرأسمالية العالمية استقراراً نسبياً في ظل هيمنة الولايات المتحدة. وقد أنكرت هذه النزعة الإمكانات الثورية للطبقة العاملة ودور الأممية الرابعة في حل أزمة القيادة الثورية. وبلغ التوجه البابلوي نحو الستالينية ذروته عندما أصبحوا المدافعين السياسيين عن عودة الرأسمالية إلى الاتحاد السوفيتي.
بقيادة جيمس ب. كانون، زعيم حزب العمال الاشتراكي (SWP) في الولايات المتحدة، أسس التروتسكيون الأرثوذكس، ومنهم جيري هيلي في بريطانيا، اللجنة الدولية عام 1953 لمعارضة مساعي البابلويين لتصفية الأممية الرابعة داخل الحركات الستالينية أو الديمقراطية الاجتماعية أو البرجوازية القومية. أُنشئت اللجنة الدولية للأممية الرابعة للدفاع عن المبادئ الأساسية التي بُنيت عليها الحركة التروتسكية العالمية. وقد أُثبتت صحة هذه المبادئ التأسيسية، التي نؤكدها هنا اليوم، ولا تزال سارية:
يُهدد احتضار النظام الرأسمالي بتدمير الحضارة من خلال تفاقم فترات الكساد الاقتصادي والحروب العالمية ومظاهر الهمجية كالفاشية. ويُبرز تطوير الأسلحة النووية اليوم هذا الخطر بأشد صوره.
لا يمكن تجنّب السقوط في الهاوية إلا باستبدال الرأسمالية بالاقتصاد المخطط للاشتراكية على نطاق عالمي، وبالتالي استئناف دوامة التقدم التي فتحتها الرأسمالية في بداياتها.
3. لا يمكن تحقيق ذلك إلا بقيادة الطبقة العاملة، باعتبارها الطبقة الثورية الحقيقية الوحيدة في المجتمع. لكن الطبقة العاملة نفسها تواجه أزمة قيادة، على الرغم من أن موازين القوى الاجتماعية العالمية لم تكن يوماً مواتية كما هي اليوم للعمال لشق طريقهم نحو السلطة.
4. لتنظيم نفسها لتحقيق هذا الهدف التاريخي العالمي، يجب على الطبقة العاملة في كل بلد بناء حزب اشتراكي ثوري على غرار حزب لينين؛ أي حزب مناضل قادر على الجمع جدلياً بين الديمقراطية والمركزية الديمقراطية في اتخاذ القرارات، والمركزية في تنفيذها؛ قيادة تسيطر عليها الصفوف، صفوف قادرة على المضي قدماً في وجه النيران بانضباط.
5. العقبة الرئيسية أمام ذلك هي الستالينية، التي تجذب العمال من خلال استغلال هيبة ثورة أكتوبر 1917 في روسيا، ثم لاحقاً، عندما خانت ثقتهم، لتلقي بهم إما في أحضان الاشتراكية الديمقراطية، أو في اللامبالاة، أو تعود إلى أوهام الرأسمالية. يدفع العمال ثمن هذه الخيانات في شكل توطيد للقوى الفاشية أو الملكية، واندلاع حروب جديدة ترعاها الرأسمالية وتجهز لها. حددت الأممية الرابعة، منذ نشأتها إحدى مهامها الرئيسية الإطاحة الثورية بالستالينية داخل الاتحاد السوفيتي وخارجه.
6. إن الحاجة إلى تكتيكات مرنة تواجه العديد من قطاعات الأممية الرابعة، والأحزاب أو الجماعات المتعاطفة مع برنامجها، تجعل من الضروري للغاية أن يعرفوا كيفية محاربة الإمبريالية وجميع وكالاتها البرجوازية الصغيرة (مثل التشكيلات القومية أو البيروقراطيات النقابية) دون الاستسلام للستالينية؛ وعلى العكس من ذلك، فإنهم يعرفون كيفية محاربة الستالينية (التي هي في التحليل النهائي وكالة برجوازية صغيرة للإمبريالية) دون الاستسلام للإمبريالية.[13]
لقد تناولنا بالتفصيل، حسب الضرورة، كيف دافعت اللجنة الدولية عن هذه المبادئ، عبر نضالات سياسية حادة حتى يومنا هذا، في قرار 'الأسس التاريخية والدولية' المقدم إلى المؤتمر. كما شرح 'بيان المبادئ' أسسنا البرنامجية المستمدة من النظرية الماركسية والتجربة التاريخية النقدية. وبصفتنا حركة تروتسكية، فإن شرحنا المفصل لتاريخنا ومبادئنا، والتزامنا الراسخ بها، يميزنا عن جميع التيارات السياسية الأخرى.
اليوم، وكما تنبأ تروتسكي، دخلنا مرحلةً انتهت فيها الهيمنة السياسية للقيادات العمالية القديمة وأذرعها التحريفية على الطبقة العاملة، وحدث تغيير موضوعي في العلاقة بين الحركة التروتسكية والطبقة العاملة الدولية. لقد أدت عملية العولمة الرأسمالية إلى اقتصاد عالمي متزايد التكامل وطبقة عاملة واسعة ومترابطة عالمياً. وقد وفّر هذا للجنة الدولية أساساً أكثر ملاءمةً لتطوير نضالها السياسي من أجل الثورة الاشتراكية العالمية مقارنةً بالماضي، مع تقويض الستالينية والديمقراطية الاجتماعية والبابلوية، التي تجاوز كل منها زمنه ويمثل برنامجاً ومنظوراً وطنياً رجعياً سياسياً.
بعد مرور أربعة وثلاثين عامًا على تفكيك الاتحاد السوفييتي على يد الستالينيين عام 1991، تحطمت تماماً جميع ادعاءات أيديولوجيي الرأسمالية بشرعية نظامهم الاجتماعي والاقتصادي. وأعلنوا أن الصراع الطبقي قد انتهى وأن الاشتراكية قد انهارت. في الواقع، كما أوضحت اللجنة الدولية للأممية الرابعة آنذاك، لم تكن الاشتراكية هي التي انهارت، بل الستالينية. ناهيك عن أن ذلك كان تعبيراً عن الأزمة المتفاقمة لنظام الدولة القومية عالمياً. ما كان لمطالبهم بالازدهار والسلام والديمقراطية أي أساس؛ بل على العكس من ذلك، فإن تفكك الاتحاد السوفييتي ما أدى إلا إلى تكثيف الدافع الإمبريالي لإعادة تقسيم العالم. سيؤدي هجوم الطبقة الحاكمة على الظروف الاجتماعية للطبقة العاملة إلى زيادة المقاومة وتكثيف الصراع الطبقي. سيؤدي تزايد التفاوت الاجتماعي وتصعيد الحرب الإمبريالية إلى تقويض أشكال الحكم الديمقراطي.
ناهيك عن أن ديناميكيات العولمة الاقتصادية التي حددتها اللجنة الدولية منذ عامي 1987 و1988 قد فاقمت بشكل كبير تناقضات النظام الرأسمالي العالمي. وستؤدي هذه الديناميكيات نفسها إلى الطابع الدولي، ليس فقط لمضمون الصراع الطبقي، بل أيضًا لشكله. وكان البديلان إما حرب عالمية ثالثة، كحل إمبريالي، أو ثورة اشتراكية عالمية، تمثل حل الطبقة العاملة.
تأكدت تحليلات اللجنة الدولية للأممية الرابعة ورؤاها. ولتأكيد ذلك مجدداً، نعقد هذا المؤتمر التأسيسي في ظل تصاعد الحرب الإمبريالية العالمية، وتصاعد الفاشية والأنظمة الاستبدادية، واحتدام الصراعات الطبقية. لا يمكن مناقشة الأحداث الكبرى التي أثرت بشدة على المجتمع العالمي وعمقت أزمة النظام الرأسمالي في الآونة الأخيرة دون تسليط الضوء على جائحة كوفيد-19. ما كانت استجابة الحكومات الرأسمالية للجائحة المستمرة متوافقة مع متطلبات العلم والصحة العامة، بل أملتها المصالح الأنانية للطبقة الرأسمالية. و أدى ذلك إلى ما يقرب من 30 مليون حالة وفاة إضافية، ويعاني عدد لا يحصى من الناس من مشاكل صحية ناجمة عن كوفيد-19. في غضون ذلك، توقفت البرجوازية حتى عن التظاهر بمكافحة تغير المناخ.
في ظل هذه الظروف، لا نؤكد فقط أن اللجنة الدولية للأممية الرابعة هي التيار الاشتراكي الثوري الوحيد، والتيار التروتسكي الوحيد في العالم، بل نثبت ذلك تاريخياً وسياسياً. أي تيار سياسي آخر، غير اللجنة الدولية للأممية الرابعة، يمتلك تحليلاً ماركسياً شاملاً وحلاً ثورياً للقضايا العالمية الأساسية التي تواجه البشرية؟ أي تيار سياسي آخر ينخرط في النضال من أجل تثقيف وتدريب جيل جديد من الثوريين على دروس التاريخ، و سيما تاريخ الحركة التروتسكية؟
في هذا النضال، يكتسب الدفاع عن قائدنا التاريخي ليون تروتسكي، الذي اغتيل قبل 85 عاماً في المكسيك على يد عميل ستاليني، أهمية حاسمة. ويمثل تحقيق الأمن والأممية الرابعة الذي أطلقته اللجنة الدولية للأممية الرابعة عام 1975 في ملابسات اغتيال تروتسكي، والذي لا يزال جارياً، مساهمة تاريخية في هذا النضال. في الذكرى الخامسة والثمانين لاغتيال تروتسكي، سنحتفل بالذكرى الخمسين لبدء التحقيق في الأشهر المقبلة، من خلال عمل تثقيفي شامل ومكثف ولقاءات عامة.
قدّمت مساهمة حاسمة أخرى في الدفاع عن تروتسكي، وهي دحض الافتراءات على سيرة تروتسكي التي ساقها المؤرخون البريطانيون روبرت سيرفس وإيان تاتشر وجيفري سوين. شكّلت تلك السير الذاتية 'هجوماً استباقياً' يهدف إلى منع جيل جديد من الانخراط في النضال الثوري من التأثر بأفكار تروتسكي. وقد صُدّ هذا الهجوم بهجوم مضاد قويّ تمثّل في كتاب 'دفاعاً عن ليون تروتسكي' لديفيد نورث شكّل ذلك العمل، المنشور باللغة التركية، أساساً لتثقيف جيل جديد من الثوار التروتسكيين.
لا يمكن للمرء أن يكون ثورياً ماركسياً دون دراسة تروتسكي والدفاع عنه. وقد أوضح الرفيق ديفيد نورث ذلك في خطابه الذي ألقاه العام الماضي في حفل تأبين لهذا الثوري العظيم في بويوكادا، حيث قال:
لا يُمكن فهم التناقضات السياسية في عالمنا المعاصر، التي تجلت، من بين أمور أخرى، في انبعاث الفاشية عالمياً دون دراسة منهجية لكتابات تروتسكي. فنظريته في الثورة الدائمة أساسية لاستراتيجية الاشتراكية الدولية وممارستها، أي النضال من أجل ضمان مستقبل البشرية، تماماً كما أن نظريات أينشتاين وهايزنبرغ أساسية لفهم الكون المادي.[14]
في هذا الخطاب المهم، دحض نورث أيضًا بعض حجج الأكاديمي البريطاني جون إي. كيلي، الذي زعم أن تروتسكي والتروتسكية 'غير مهمين'. ومع ذلك، ورغم ادعائه بعدم أهمية التروتسكية، نشر كيلي كتابين بين عامي 2018 و2023 استهدفا الحركة التروتسكية: 'التروتسكية المعاصرة' و'أفول التروتسكية العالمية'.
ففي كتاب 'أفول التروتسكية العالمية'، ما بذل كيلي أي جهد لإخفاء حقيقة أن هدفه الحقيقي كان اللجنة الدولية للأممية الرابعة:
تأسست اللجنة الدولية للأممية الرابعة (ICFI) في البداية عام 1953، لكنها عادت للظهور بعد انهيار حزب العمال الثوري عام 1985 بقيادة الناشط الأمريكي ديفيد نورث، وهو شخص متغطرس ومتعجرف. بالنسبة لنورث وزملائه، هناك تيار واحد فقط من الماركسية: 'التروتسكية هي ماركسية القرن الحادي والعشرين'، وداخل عالم التروتسكيين، هناك حزب تروتسكي حقيقي واحد فقط.[15]
جادل كيلي بأن الإصلاحية ما ماتت، وأن المعضلة التاريخية لعصرنا وهي الخيار بين 'الاشتراكية أو االهمجية' غير صحيحة، قائلاً:
إن فكرة أن عصر الإصلاح قد انتهى، وأن السياسة العالمية تُختزل في خيار ثنائي بسيط، الاشتراكية أو الهمجية، فكرة ساذجة من الناحية النظرية ومعيبة من الناحية التجريبية.[16]
قد يظن المرء أن كيلي تحدث عن عالم مختلف عن العالم الذي نعيش فيه، حيث سادت الحرب الإمبريالية والإبادة الجماعية والهمجية الفاشية، إذ قُضي على الإصلاحات الاجتماعية والديمقراطية التي حققتها الجماهير العريضة عبر أجيال من النضال، واحدًا تلو الآخر، وحيث ازداد الصراع الطبقي حدة. إن هدف كتب كيلي هو تقويض الاهتمام المتزايد بالنضال من أجل الثورة الاشتراكية العالمية المتجسد في تاريخ وبرنامج الحركة التروتسكية. يجب أخذ هذا الهجوم على محمل الجد ومكافحته.
من الهجمات الأخيرة التي استهدفت حركتنا، عملٌ احتياليٌّ للأكاديمي الأيرلندي، إيدان بيتي، المنتمي إلى الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين (DSA)، بعنوان 'الحزب دائماً على حق: القصة غير المروية لجيري هيلي والتروتسكية البريطانية'. حاول بيتي، متستراً بغطاء سيرة ذاتية، تشويه سمعة هيلي، الذي لعب دوراً رئيسياً في تاريخ واستمرارية الحركة التروتسكية، من خلال اتهاماتٍ تشهيرية. يُعدّ 'عمل بيتي'، الممول من مؤسسات صهيونية، هجوماً مُستهدفاً، كما اتضح من هجومه غير ذي الصلة على ديفيد نورث في الخاتمة. ندعم الردود القوية على هذا الهجوم الرجعي المنشور على موقع الاشتراكية العالمية، ونؤكد على أهميتها كمواد تعليمية للكوادر الثورية.
يتزامن تأسيس حزب العمل الاشتراكي في تركيا، هذا البلد الحيوي الواقع على مفترق الطرق بين أوروبا والشرق الأوسط، مع حدث مهم يشهد على صحة النضال من أجل التروتسكية ونظرية الثورة الدائمة: ففي عام 1978، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تأسس في قضاء ليجه بديار بكر، تركيا، مدعياً أنه حزب 'ماركسي لينيني'، في مؤتمره المنعقد يومي 5 و7 أيار / مايو، أنه قرر حل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح.
ما دلالة تقاطع مؤتمر التصفية هذا من جهة ومؤتمرنا التأسيسي من جهة أخرى تاريخياً؟ سأجادل بأن هذا مثل، من جهة، إفلاس وتراجع البرنامج القومي البرجوازي، ومن جهة أخرى، إقراراً وصعوداً للبرنامج الاشتراكي الدولي للطبقة العاملة.
في مشروع القرار المتعلق بـ 'الأسس التاريخية والدولية'، نوضح أن حزب العمال الكردستاني تأسس كحركة قومية برجوازية صغيرة ستالينية، وليس ماركسية، وأنه ما مثل قط سبيلاً للمضي قدماً نحو إنهاء اضطهاد الشعب الكردي أو الدفاع عن المصالح الدولية للطبقة العاملة. عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، المحتجز كسجين سياسي في جزيرة إمرالي منذ عام 1999، هو المهندس الرئيسي لقرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه، إلى جانب حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. ففي رسالةٍ أرسلها من السجن نهاية شباط/فبراير، برر أوجلان دعوته لحل الحزب قائلاً: 'إن انهيار الاشتراكية الحقيقية في العقد الأخير من القرن المنصرم لأسبابٍ داخلية، وتآكل إنكار الهوية في البلاد، والتقدم في حرية التعبير، أدى إلى انعدام المعنى والتكرار المفرط داخل حزب العمال الكردستاني. ونتيجةً لذلك، ومثل نظرائه، وصل الحزب إلى نهاية عمره، مما جعل حله ضرورياً'.
أوضحنا في تقييمنا لهذه الدعوة على موقع 'الاشتراكية العالمية':
إن 'افتقار حزب العمال الكردستاني للمعنى' لا يعود إلى تفكك الاتحاد السوفيتي أو الحل المزعوم للقضية الكردية، بل إلى إفلاس البرامج القومية في عصر التكامل العالمي للإنتاج الرأسمالي.[17]
تحدث أوجلان عن انهيار ما يُسمى 'الاشتراكية الحقيقية'، لكنه، كغيره الكثيرين، تجاهل النضال التاريخي للحركة التروتسكية ضد الستالينية ومبررات هذا النضال. أوجلان، الذي قيل إنه أرسل رسالتين إلى مؤتمر حزب العمال الكردستاني في أيار/مايو، اختتم رسالته الوحيدة المؤرخة في 27 نيسان/أبريل بقوله: 'الاشتراكية القومية تؤدي إلى الهزيمة، واشتراكية المجتمع الديمقراطي تؤدي إلى النصر'. إن ادعاء 'اشتراكية المجتمع الديمقراطي' لا علاقة له إطلاقاً بالنضال من أجل القضاء على النظام الإمبريالي الرأسمالي والحكم البرجوازي، اللذين يُمثلان المصدر النهائي للقمع القومي، وإقامة الاشتراكية من أجل إزالة الحدود والطبقات في جميع أنحاء العالم.
أكد أوجلان في رسالته المطولة المؤرخة في 25 نيسان /أبريل إلى مؤتمر حزب العمال الكردستاني، بشكل أساسي تحليلنا للمفاوضات بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، ويعبّر عن جوهر الاتفاق على النحو التالي: 'ثقتي وأملي بالنجاح كبيران. سيُفضي تحقيق ذلك إلى نجاحات مهمة ليس فقط للأكراد وكردستان، بل للمنطقة بأكملها. أي نجاح يُحقق هنا سيكون له تأثير أيضاً على سوريا وإيران والعراق. وستتاح للجمهورية التركية أيضاً فرصة تجديد ذاتها، وتتويج نفسها بالديمقراطية، وتولي زمام القيادة في المنطقة'.
أما 'فرصة [تركيا] ... لتولي زمام المبادرة في المنطقة'، فهي تشير إلى برجوازية تركية حسمت صراعها مع حزب العمال الكردستاني ووحّدت قواها مع البرجوازية الكردية، معززةً موقفها ومزيدةً من حصتها في حرب إعادة التقسيم الإمبريالية المتصاعدة في المنطقة بقيادة حليفتها الولايات المتحدة. هذه الصفقة المدعومة من الولايات المتحدة وحلف الناتو ليست ضد حرب التقسيم الإمبريالية الدائرة في الشرق الأوسط منذ أكثر من 30 عاماً، بل هي جزء منها. ومن بين ضحايا هذه الحروب الشعب الكردي في تركيا والعراق وسوريا وإيران. وبعد العراق وسوريا، أصبحت إيران الآن هدفاً للإمبريالية والصهيونية.
إن استمرار القضية الكردية، ذات الجذور التي تمتد لأكثر من قرن، والتي تُعدّ قضية دولية، كقضية ديمقراطية أساسية، أثبتت صحة نظرية تروتسكي عن الثورة الدائمة: ففي العصر الإمبريالي، تعجز البرجوازية، في بلدٍ تأخر تطوره الرأسمالي، بطبيعتها، عن حلّ القضايا الديمقراطية الأساسية. ويتطلب حلّ هذه القضايا استيلاء الطبقة العاملة على السلطة كجزء من النضال من أجل الثورة الاشتراكية العالمية.
ليس حزب العمال الكردستاني أول حركة قومية في المنطقة تتخلى كلياً عن برنامجها وأهدافها وتعترف بإفلاسها التاريخي والسياسي. إذ شهد البيان الصادر عن اللجنة السياسية لرابطة العمال، عقب الاتفاق بين زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات والولايات المتحدة وإسرائيل عام 1988، على قوة وصواب تحليل اللجنة الدولية للأممية الرابعة ومنظورها القائم على نظرية الثورة الدائمة. علاوة على ذلك، فإن السطور التالية وثيقة الصلة بالاتفاق بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة:
يرفض الماركسيون بشدة مثل هذه الاتفاقات، ويكافحون كل وهم سلمي تولده وكالات الإمبريالية البرجوازية الصغيرة، بأن 'محادثات السلام' يمكن أن تضع حداً للحرب والقمع. ويطرح الماركسيون، بدلاً من ذلك، برنامج حرب الطبقات لإنهاء الإمبريالية. إن المدافعين عن مثل هذه الصفقات يكشفون فقط عن قبولهم غير النقدي للنظام العالمي الإمبريالي برمّته.
لا يمكن فهم هذه الأحداث بمعزل عن التحليل الطبقي لمنظمة التحرير الفلسطينية. فعلى الرغم من تمسكها السابق بالكفاح المسلح وبطولة أعضائها، فإنها كانت وستظل دائماً حركة وطنية برجوازية. نزعتها القومية هي قومية البرجوازية التي تسعى إلى تهيئة أفضل الظروف الممكنة لاستغلال طبقتها العاملة 'الخاصة'. ولم يُخفف فشل هذه البرجوازية في إقامة دولتها من هذا الدافع بأي حال من الأحوال.[18]
في بداية البيان نفسه، طرحت رابطة العمال التنبؤ التاريخي التالي:
بعيداً عن أنه الطريق إلى 'السلام' الذي أعلنته وسائل الإعلام الرأسمالية والسياسيون الإمبرياليون، فإن قبول ياسر عرفات والقيادة الوطنية البرجوازية لمنظمة التحرير الفلسطينية للشروط التي فرضتها واشنطن لن يفتح سوى الباب أمام هجوم مكثف على الجماهير المضطهدة في فلسطين وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.[19]
إن تحرير الشعب الكردي مستحيل في وقت يتعرض الشعب الفلسطيني للإبادة الجماعية. إن تحرير كلا الشعبين، وجميع شعوب الشرق الأوسط، التي كانت هدفاً للعدوان الإمبريالي لعقود، يكمن في توحيد قواها مع الطبقة العاملة في المراكز الإمبريالية وإقامة اتحاد اشتراكي للشرق الأوسط. إن النضال من أجل إنهاء الاضطهاد الذي تعانيه الشعوب المضطهدة والاعتراف بحقوقها الديمقراطية جزء لا يتجزأ من النضال من أجل هذا البرنامج. إن حزبنا، الذي رفض النزعة القومية البرجوازية التركية والكردية، المتحالفة مع الإمبريالية، يطرح البرنامج الثوري الوحيد القادر على توحيد العمال الأتراك والأكراد في النضال من أجل نظام قائم على المساواة الاجتماعية ومناهضة الإمبريالية والديمقراطية. وهذا يعني النضال من أجل سلطة العمال على أساس نظرية الثورة الدائمة.
في ختام رسالته المؤرخة في 25 نيسان/أبريل، طرح أوجلان برنامجاً للشرق الأوسط بأكمله، داعياً إلى 'أممية' جديدة، وكتب:
ستكون لهذه العملية عواقب دولية وإقليمية على حد سواء. تبرز الكونفدرالية الإقليمية كضرورة مُلِحّة. لا يُمكن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والصراعات الطائفية، وتناقضات الدولة القومية إلا من خلال الكونفدرالية الديمقراطية.
يتطلب هذا الحل أيضاً وجود 'أممية' جديدة. سيكون من الصواب والتاريخي إطلاق جهود من أجل 'أممية' مع أصدقائنا دون تأخير.
إن 'الكونفدرالية الديمقراطية' التي دعا إليها أوجلان لا تعارض العدوان الهادف إلى ترسيخ الهيمنة الإمبريالية المطلقة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل تتماشى معها. والدليل الواضح على ذلك هو التشكيل الذي نشأ في شمال شرق سوريا، المعروف باسم 'روج آفا'، بقيادة وحدات حماية الشعب، المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني وأوجلان، نتيجة حرب تغيير النظام التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون مثل تركيا في عام 2011. هذا التشكيل المستقل بحكم الأمر الواقع، والذي يُستشهد به كمثال على الكونفدرالية الديمقراطية، يتعاون بشكل وثيق مع القوات المسلحة الأمريكية، التي هي، مثل تركيا، قوات احتلال في سوريا. وهذا يشهد على الطابع الموالي للإمبريالية والرجعي لكل من القوميين الأتراك، الذين لديهم ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، والقوميين الأكراد، الذين برزوا كحلفاء مقربين للولايات المتحدة وحلف الناتو في سوريا.
في مقدمة الطبعة التركية، ثم في طبعتها بمناسبة الذكرى الثلاثين لكتاب 'التراث الذي ندافع عنه: مساهمة في تاريخ الأممية الرابعة'، لفت الرفيق ديفيد نورث الانتباه إلى أصول 'الكونفدرالية الديمقراطية' التي طرحها أوجلان. تأثر أوجلان بموراي بوكتشين (1921-2006) خلال قراءاته بعد أن سلمته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى أنقرة وسُجن عام 1999. بوكتشين، الذي كرّمه حزب العمال الكردستاني بعد وفاته باعتباره 'أحد أعظم علماء الاجتماع في القرن العشرين'، كان عضواً سابقاً في حزب العمال الاشتراكي الأمريكي. انضم بوكتشين إلى تيار مورو-غولدمان، الذي برز داخل حزب العمال الاشتراكي عام 1944 كمعارضة يمينية صريحة خلال الحرب العالمية الثانية. هذا التوجه، الذي مثل تكيفاً مُحبطاً مع الظروف السائدة، جادل بأن الثورة الاشتراكية لم تعد ممكنة، وأن الأممية الرابعة يجب أن تُصبح تابعة للديمقراطية البرجوازية. اقترحوا في جوهرهم أن تُحل الأممية الرابعة نفسها، وهُزموا على يد التروتسكيين الأرثوذكس بقيادة زعيم حزب العمال الاشتراكي كانون.
بعد الحرب، انفصل بوكتشين عن حزب العمال الاشتراكي، وتعاون مع الألماني جوزيف فيبر (1901-1959) منذ عام 1947. وكما ذكر نورث، فقد أهدى في عام 1971 كتابه 'فوضوية ما بعد الندرة' إلى فيبر، وشكره على 'صياغة الخطوط العريضة للمشروع الطوباوي الذي طُوّر في هذا الكتاب قبل أكثر من عشرين عاماً'.[20] كان فيبر قد قاد سابقًا مجموعة 'الأطروحات الثلاث' ('الرجعيون') التي انبثقت من الشيوعيين الدوليين في ألمانيا (IKD - Internationale Kommunisten Deutschlands)، التي كانت الفرع الألماني للأممية الرابعة آنذاك. وقد جادلت هذه المجموعة، حتى قبل اتجاه مورو-غولدمان، بأن النضال من أجل الثورة الاشتراكية العالمية قد ضاع، وأن ما هو على المحك الآن هو النضال من أجل التحرر الوطني والديمقراطية البرجوازية من خلال عملية تراجع تاريخي. كنتيجة منطقية لهذه الآراء، انفصل فيبر عن الأممية الرابعة والتروتسكية. ففي رسالة مؤرخة في 11 تشرين الأول/أكتوبر1946، أعلن أن 'الأممية الرابعة ماتت، بل إنها ما قامت قط'.[21]
يُطرح هذا الادعاء اليوم أيضاً من قِبل عدة اتجاهات تُطلق على نفسها، زوراً، اسم 'تروتسكي'. خاجج بعضها بوجود 'ورثة متعددين' واتجاهات 'تروتسكية' متعددة للأممية الرابعة في العالم. بل وذهبوا إلى حد اقتراح 'إعادة تأسيس الأممية الرابعة' بالتحالف مع الستالينيين الجدد. ما تمكن فيبر ولا أشباه التروتسكيين المعاصرين الذين اتفقوا مع أطروحته من إثبات هذه الادعاءات، ولا يستطيعون ذلك. لقد ضحت الأممية الثانية والأممية الثالثة بحياتهما من أجل قضية الثورة بسبب الخيانة التاريخية لقيادتهما، كما هو موضح أعلاه. من ناحية أخرى، ضمنت الأممية الرابعة الاستمرارية السياسية للبرنامج والمبادئ الاشتراكية الدولية منذ تأسيسها عام 1938 بقيادة تروتسكي. ووثق قرار 'الأسس التاريخية والدولية' المقدم في المؤتمر التأسيسي هذا التاريخ. لا وجود لما يُسمى 'أممية رابعة' متعددة. وهي منظمةٌ قائمةٌ بقيادة اللجنة الدولية، وتقود النضال من أجل الثورة الاشتراكية العالمية. وهذا المؤتمر التأسيسي نفسه يشهد على ذلك.
ينعقد مؤتمرنا في ظل ظروف نشهد فيها العديد من العلامات على تزايد التطرف السياسي والاجتماعي للطبقة العاملة والشباب إلى جانب الأزمة المتفاقمة للرأسمالية على مستوى العالم. إن الأحداث الكبرى في الآونة الأخيرة، جائحة كوفيد-19، وحرب الولايات المتحدة وحلف الناتو ضد روسيا بشأن أوكرانيا، والإبادة الجماعية في غزة، والاستبداد المتزايد وتكثيف الصراعات الطبقية على الصعيد الدولي، وخاصة في الولايات المتحدة، أكدت تحليل وتوقعات اللجنة الدولية للأممية الرابعة في منظورها لعام 2020 بعنوان 'بدأ عقد الثورة الاشتراكية'. ومع ذلك، وكما هو مذكور في ذلك البيان، '... إن النضالات العفوية للعمال وسعيهم الغريزي من أجل الاشتراكية، في حد ذاتها، غير كافية. إن تحويل الصراع الطبقي إلى حركة واعية من أجل الاشتراكية هو مسألة قيادة سياسية'.[22] إن حل مسألة القيادة السياسية ليس عملية تلقائية. إنه يتطلب نضالاً نشطاً من أجل برنامج الحزب الثوري. إن تأسيس حزب العمل الاشتراكي في تركيا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في نضال اللجنة الدولية للأممية الرابعة لحل أزمة القيادة السياسية على نطاق عالمي.
نشهد اهتماماً متزايداً بالبرنامج التروتسكي الذي نناضل من أجله على الصعيد الدولي، ونفوذاً متصاعداً للجنة الدولية للأممية الرابعة. وهذا يؤكد تقييمنا الذي أجريناه عام 2019: لقد دخلت الحركة التروتسكية مرحلة جديدة في تاريخها، المرحلة الخامسة. وكما أوضح ديفيد نورث في ذلك العام: 'لقد شهدت العمليات الموضوعية للعولمة الاقتصادية، التي حددتها اللجنة الدولية قبل أكثر من 30 عاماً، تطوراً هائلاً. وإلى جانب ظهور تقنيات جديدة أحدثت ثورة في عالم الاتصالات، أدت هذه العمليات إلى تدويل الصراع الطبقي إلى درجة كان من الصعب تصورها حتى قبل 25 عاماً. سيتطور النضال الثوري للطبقة العاملة كحركة عالمية مترابطة وموحدة. وستُبنى اللجنة الدولية للأممية الرابعة كقيادة سياسية واعية لهذه العملية الاجتماعية والاقتصادية الموضوعية. وستواجه سياسات الحرب الإمبريالية الرأسمالية باستراتيجية الثورة الاشتراكية العالمية القائمة على الطبقات. وهذه هي المهمة التاريخية الأساسية للمرحلة الجديدة في تاريخ الأممية الرابعة.'[23]
أدت عملية العولمة الاقتصادية على مدى العقود الماضية إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية هائلة في تركيا، ونتج عنها طبقة عاملة ضخمة ومناضلة، مندمجة موضوعياً مع الطبقة العاملة العالمية. ويُمثل تأسيس حزب المساواة الاشتراكية في تركيا، في ظل هذه الديناميكيات الطبقية ومكانة تركيا الحرجة في الجغرافيا السياسية العالمية، تطورًا مهمًا يُجسد التوسع العالمي للجنة الدولية للأممية الرابعة.
يعتمد نجاح التوجه الموضوعي نحو الثورة الاشتراكية على أداء حزبنا لدوره القيادي. وهذا يعني النضال من أجل الاستقلال السياسي والتنظيمي للطبقة العاملة. وهذا يتطلب وضوحاً نظرياً وسياسياً، يغذيه نضال متواصل ضد جميع الاتجاهات السياسية المعادية، يدافع عنه ويطوره التروتسكيون. ولهذا، يجب تثقيف وإعداد كوادرنا والعمال والشباب الذين ينضمون إلى النضال، استناداً إلى دروس التاريخ والنظرية الماركسية والمنظور السياسي التروتسكي. يُظهر تحليلنا العلمي للوضع العالمي أن أزمة النظام الرأسمالي والصراع الطبقي سيشتدان. لن يكون هناك نقص في العمال والشباب المتطرفين الذين سينضمون إلى النضال. ولكن في نهاية المطاف، سيكون المنظور الذي يوجه هذه النضالات ومن يقودها حاسماً.
وقد أكدت الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت إثر اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول والمرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري، واحتجازه فيآذار/ مارس، هذا الأمر مرة أخرى. فقد خرجت جماهير غفيرة، معظمها من الشباب، إلى الشوارع ضد هذا القمع الحكومي، الذي استهدف الحقوق الديمقراطية الأساسية، مثل الحق في التصويت والترشح والحق في محاكمة عادلة. وكشفت جميع استطلاعات الرأي والمقابلات التي أجريت بين المتظاهرين أن قضايا مثل عدم المساواة الاجتماعية والمخاوف المتزايدة بشأن المستقبل لعبت أيضاً دوراً رئيسياً في إشعال هذا الانفجار الجماهيري، الذي تحدَّى خطر الاعتقال وعنف الشرطة. ومع ذلك، وبمساعدة العديد من الاتجاهات الستالينية والبابلوية واليسارية الزائفة، تمكن حزب الشعب الجمهوري من قمع تلك الحركة الهامة الناشئة تلقائيًا.
ومع ذلك، فإن رغبة الجماهير العريضة من الطبقة العاملة والشباب في مستقبل تسوده الديمقراطية والمساواة الاجتماعية والسلام كانت في صراع ليس فقط مع حكومة أردوغان ولكن و مع حزب الشعب الجمهوري. يجب دحض الادعاءات القائلة بأن حزب الشعب الجمهوري هو حزب 'يساري' بديل لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان (AKP) أو أنه يمكن دفعه إلى اليسار بوضوح. إن حزب الشعب الجمهوري، الذي أسس الجمهورية التركية وهو أحد الأحزاب التقليدية للبرجوازية التركية، هو حزب مؤيد لحلف الناتو ومتحالف مع الإمبريالية ويعارض مصالح الطبقة العاملة. خلال الاحتجاجات الجماهيرية، أكد زعيم حزب الشعب الجمهوري على ولاء حزبه لحلف الناتو ودعا حليفه في بريطانيا، حزب العمال 'حزب الناتو'. لقد أثبت حزب الشعب الجمهوري مرة أخرى أنه ليس أقل عداءً للطبقة العاملة من حكومة أردوغان، وكان آخرها في هجومه على إضراب بلدية إزمير وعلى الحق في الإضراب.
بينما نعارض قمع الدولة لحزب الشعب الجمهوري وندافع عن الحقوق الديمقراطية الأساسية، أكدنا أن هذا لا يُشكل أي دعم سياسي له، وأوضحنا الطابع الطبقي لهذا الحزب ودوره. في المقابل، حتى التيارات السياسية التي ادعت سابقاً عدم دعمها لحزب الشعب الجمهوري اقترحت التعاون معه على شكل 'جبهة شعبية'. تُبرز هذه الأحداث أهمية القضايا التاريخية. فقضايا الكمالية و'الجبهات الشعبية'، التي تعود جذورها إلى العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي، ليست من الماضي، بل تؤثر بشكل مباشر على المشهد السياسي اليوم. لا يمكن لحركة سياسية تفتقر إلى تحليل تاريخي ماركسي، أي تروتسكي، لهذه القضايا أن تُطور منظوراً وسياسة ثورية تجاه أحداث اليوم. يتناول كتاب 'الأسس التاريخية والدولية' هذه القضايا وغيرها الكثير من الأسئلة التاريخية الهامة. والآن يواجه المؤتمر التأسيسي المهمة التالية: مناقشة واعتماد قرارات حاسمة سيتم فحصها من قبل عدد لا يحصى من العمال والشباب والمثقفين الذين سيتجهون إلى الحزب في الفترة المقبلة، والتي ستكون بمنزلة شريان الحياة لبناء الحزب، وي ستشكل الأساس السياسي للثورة الاشتراكية القادمة: 'بيان المبادئ'، و'الوثيقة التاريخية والدولية'، و'الوثيقة الاستراتيجية' 'والأسس' والدستور.
[1] “A historic advance in the fight for Trotskyism: The International Committee of the Fourth International accepts application of the Sosyalist Eşitlik Grubu to become its section in Turkey,” 27 June 2022.
YRL:https://www.wsws.org/en/articles/2022/06/27/truk-j27.html
[2] Writings of Leon Trotsky, 1929, “Is Parliamentary Democracy Likely to Replace the Soviets?” pp. 52-57.
[3] Sosyalist Eşitlik Grubu, “The crisis in Turkey and the fight for revolutionary leadership,” 28 March 2025.
URL:https://www.wsws.org/en/articles/2025/03/28/trkc-m28.html
[4] Leon Trotsky, “On the Founding of the Fourth International,” October 1938. URL:https://www.marxists.org/archive/trotsky/1938/10/foundfi.htm
[5] “A historic advance in the fight for Trotskyism: The International Committee of the Fourth International accepts application of the Sosyalist Eşitlik Grubu to become its section in Turkey.”
[6] Ibid.
[7] Sosyalist Eşitlik Grubu, “Preface to Halil Çelik: A Fighter for Socialism,” December 31, 2021.
URL:https://www.wsws.org/en/articles/2021/12/31/hali-d31.html
[8] This essay, written by Lenin in German, was published in the Vorbote magazine in January 1916. There are minor differences between this version and the version published in Russian the Пролетарская революция (Proletarian Revolution) in 1924 and translated into English. Here, the quote is taken from the Turkish translation of the German version. Therefore, the German version was translated into English. For the German original version:
https://web.archive.org/web/20160316074633/http://mlwerke.de/le/le22/le22_107.htm
The English version:
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1915/dec/x01.htm
[9] David North, “Socialist internationalism and the struggle against Zionism and imperialism,” October 24, 2023.
URL:https://www.wsws.org/en/articles/2023/10/26/mich-o26.html
[10] Leon Trotsky, “To Build Communist Parties and an International Anew,” July 1933. URL:https://www.marxists.org/archive/trotsky/germany/1933/330715.htm
[11] Leon Trotsky, Diary in Exile 1935, London, 1958, p. 54.
[12] Leon Trotsky, “On the Founding of the Fourth International,” October 1938. URL:https://www.marxists.org/archive/trotsky/1938/10/foundfi.htm
[13] James P. Cannon, “A Letter to Trotskyists Throughout the World,” 1953. URL:https://www.wsws.org/en/articles/2008/10/open-o21.html
[14] David North, “Analyzing a World in Chaos from an Island of Tranquility,” August 25, 2024. URL:https://www.wsws.org/en/articles/2024/08/27/sqjg-a27.html
[15] John E. Kelly, The Twilight of World Trotskyism (London & New York: Routledge, 2023), p. 96.
[16] Ibid., p. 78.
[17] Ulaş Ateşçi, “Öcalan calls on Kurdish PKK to lay down arms and dissolve itself,” February 28, 2025.
URL:https://www.wsws.org/en/articles/2025/02/28/emwp-f28.html
[18] Political Committee of the Workers League, “Palestinian Struggle Betrayed – Arafat Bows to Imperialism and Zionism,” December 15, 1988.
URL: https://www.wsws.org/en/special/library/fi-15-34/26.html
[19] Ibid.
[20] Marcel Van Der Linden, “The Prehistory of Post-Society Anarchism: Josef Weber and the Movement for a Democracy of Content (1947–1964),” Anarchist Studies, 9 (2001), p. 127.
[21] Joseph Weber, Dinge der Zeit, Kritische Beiträge zu Kultur und Politik (Hamburg: Argument, 1995), p. 21, (translation by David North).
[22] David North, Joseph Kishore, “The decade of socialist revolution begins,” January 3, 2020.
URL:https://www.wsws.org/en/articles/2020/01/03/pers-j03.html
[23] David North, “The Political Origins and Consequences of the 1982–86 Split in the International Committee of the Fourth International,” July 21, 2019.
URL: https://www.wsws.org/en/articles/2019/08/03/icfi-a03.html